سعد محمد داود // النحوين والتوسع في مفهوم الخبر
● النحويون والتوسع في مفهوم الخبر :
دكتور / سعد محمد داود
لقد كانَ الخبرُ موضعَ اهتمام النحويين مذْ وُضعتْ أسس هذا العلم ، لأنّ الفائدةَ لا تتمُّ إلا به ، وتعرّضوا للحديث عن أقسامه ، ثم ّ أبرزوا وجهَ الفائدة فيه سواء أكان جزءً من الجملة ، أو ليس جزءً منها ك( الحال) لوجود وجه الشبه بينهما ، في أنّ الأخير :
َ لا يكونُ إلا نكرةً ، لأنّها زيادةٌ في الفائدة ، بيْنما الخبرُ يكون نكرةً ومعرفةً ، إلا أنّ الفائدةَ تتحققُ بالخبر النكرة .. ولذا نجدُ الخبرَ ينقسمُ إلى قسمين :
♢ الأول : وفيه يُعدُّ الخبرُ جزءً من الجملة ، لا تتم ُ الفائدةَ بدونه ، نحو : زيدٌ منطلقٌ ، فمنطقٌ خبر المبتدأ الذي به تتمّ الفائدةَ ، وكذا الفعلُ في نحو : خرجَ زيدٌ ، فكلُّ واحد من هذين جزءٌ من الجملة ، وهو الأصل في الفائدة .
♢ الثاني : وهو الحال ، نحو : جاءني زيدُ راكبًا ، وذلك لأن الحال خبرٌ في الحقيقة ، منْ حيثُ إنّك تثبتُ بها المعنى كما تثبته بالخبر للمبتدأ ، وبالفعل للفاعل ، ألا ترى أنّك أثبتَ الركوبَ لزيد في قولك : جاءني زيدٌ راكبًا ؟ فقد جئتَ به لتزيد معنى الإخبار عنه بالمجيء على هذه الهيئة ..
▪منْ هنا يتضحُ لنا أنّ الخبرَ عند النحويين لم يتوقفْ عند قولهم : زيدٌ منطلقٌ ، فللخبر مدلولٌ أوسعُ من تمام الفائدة ، ولا يتذوق هذا الملولُ إلا منْ ذاق النّحو قواعدَ وأصولاً ، ثم أُوتي موهبة َ التوجيه ، والتعليل .. فقد يحتاج الكلام إلى الحال احتياجه للخبر، فينزّل منزلةَ العمدة في إتمام المعنى الأساسيّ في الجملة ، والمتقدمون والمتأخرون من النحويين فهموا هذا ، وأثبتوه في كتبهم ، وقد تابع المعاصرون المسيرةَ ، وأفصحوا عن ذلك في كتبهم أيضًا . وها هو ذا الأستاذ عباس حسن في ( النحو الوافي ) يقول :
" .... وقد يكونُ - أي الحال – بمنزلة العمدة أحيانًا ، في تمام المعنى الأساسي للجملة ، أو في منع فساده .
فالأولى : كالحال التي تسدّ مسدّ الخبر ، في مثل : امتداحي الغلامَ مؤدبًا ، فإنّ المعنى الأساسي هنا لا يتم إلا بذكر الحال ، ومثلها في قوله تعالى " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " [1] فالمعنى الأساسي للجملة لا يتم إذا حذفت الحال ( كسالى ) .
والثانية : وهي الحال التي يفسد المعنى بحذفها ، مثل : ليس الميت منْ فارقَ الحياةَ ، إنّما الميت منْ يحيا خاملًا لا نفع له .. فلو حذفنا الحال ( خاملَا ) وقلنا : ليس الميت منْ فارق الحياة .. لوقع التناقض الذي يفسد المعنى ، ومن ذلك قوله تعالى " وما خلقنا السموات والأرض َ وما بينهما لاعبين " [2] فلو حذفنا الحال ( لاعبين ) لفسد المعنى أشد فساد [3] .
▪ من هنا يتضحُ لنا أنّ النحويّ ليس متقوقعًا في بوتقة القاعدة ، بل عنده من الذوق ما يجعله قادرًا على كشف الستار ، ليفصحَ عن جمال المعنى .
وعبد القاهر الجرجانيّ هو ذلك الإمام الذي اجتاز فنّ السباحة في هذا البحر الخضم بثقة واقتدار، فلنحذُ حذوه ، ونسرْ في دربه ، وننسج على نوله ، لنقرب النحو إلى الإفهام ، ونشوق أبناءنا إلى دراسته ، واستخراج ما فيه من كنوز وذخائر .
............................................................................................
[1] - من الآية (142) سورة النساء .
[2] - من الآية (16) سورة الأنبياء .
[3] - النحو الوافي 2/ 264، 365 .

تعليقات
إرسال تعليق